

#قصة_وعبرة
#قصة_من بيتنا
مازال جالسًا مكانَه وهي تراقبُه بحذر شديد، تخشى أن تمرَّ أمامه فتُصاب بإحْدى سهام نظراتِه التي يصوِّبُها إليها شذرًا على كلماتِها غير المحسوبة.
يتذكَّر كم مرَّة طلب منها أن تكفَّ عن استِرْسالِها في الكلام بدون مناسبة، سواء أمام الأهل والجيران أو غيرهم، إلا أنَّ لسانها لا ضابط له!
قرَّر هذه المرَّة ألا تمرَّ كسابقتِها، فلا بدَّ من عقاب من نوعٍ ما حتى تتعلَّم درسًا كي يترسَّخ لديْها أنَّ الكلام إذا كان من فضَّة فالسُّكوت من ذهب.
أمَّا هي، فتريد أن يُطوى هذا الموقف سريعًا، فهي لا تُطِيق غضبَه منها، وكيف لها الصَّبر على مقاطعتِه لها، فلا يوجه إليها كلمة، حتى ولو عتابًا؟!
أسرعتْ بإحْضار كوبٍ من عصير اللَّيمون وهي تتكتَّم أنفاسَها؛ تحسُّبًا لأي ردِّ فعل منه، وتأهَّبت لاستِقْبال نظراتِه القاتلة، إلا أنَّ كلَّ توقُّعاتِها لَم تزد عن كونها سرابًا.
ماذا حدث؟ ليست هذه عادتَه، أين كلماته القاسية؟! لماذا لم يفجِّر غضبه هذه المرَّة؟! وينتهي الموقف كما اعتادت منه، تحدِّث نفسَها في توجُّس وخيفة.
إلاَّ أنَّه لم ينبِسْ بِبِنْت شفة، ولم يعبأْ بوجودها
ماذا حلَّ به؟! إنَّ صمتَه مخيف، وهدوءه يُنْذِر بِهبوب عاصفة، هيَّأتْ نفسها لتقبُّل مزيد من الانفعال عندما يبدأ عتابه، ولكنَّه لم يقْدِم على توجيه أي عتاب لها، مرَّ على ذلك يومان، وها هو ذا اليوم الثَّالث لا يبشِّر بِجديدٍ بيْنهما، هي لا تطيق، قرَّرت أن تجعله يتكلَّم، حاولتْ أن تحثَّه على أن يقول أيَّ شيء، بادرتْ بالاعتذار، وألحقت به طلَب السَّماح والعفو، إلاَّ أنه أشاح بوجْهِه عنْها للجهة الأخرى، التفتتْ مُسرعة حيث أدار وجْهَه وتَملْملتْ قائلة: زوْجي الحبيب، إنَّ العفو من شِيم الكرام.
أطال النَّظر إليها، واسترْجع وهو يخرج زفيرًا بحرارة تغيُّظه من تصرفاتِها، قائلاً لها: ليْتَه كان خطأً في حقِّي كي أملك العفْوَ عنْك، ولكنَّه داؤك لسانك، الذي سوف يوردك يومًا سوءَ الموارد!
أَلَم أذكِّرْك مرارًا أنَّ الصَّمت أفضلُ من الكلام؟! أَلَم تُدْرِكي بعدُ ماذا فعلتْ كلِماتك التي وجَّهْتِها لأُختي؟! لقد أشعلتِ في نفسِها شيئًا منكِ، ولقد عابَ كلُّ الحضور كلِماتِك وأخذوها عليْكِ، فأسأتِ لي قبل أن تُسيئِي لنفسك!
ابتلعتْ ريقَها ضيقًا وحرجًا، وتندَّى وجْهها بِماء الحياء، وقالت بصوتٍ مُتحشرج: لقدِ انتبهْتُ لنظراتِهم التي انتقصتْنِي، وقد بادرتُ بالاعتِذار لها عمَّا صدر منِّي من كلمات غير لائقة قبل انصرافنا، ماذا أفعل أكثر من ذلك؟
بادرها قائلاً: عليك بشيء سهلٍ فِعْلُه، كبيرٍ أثَرُه.
نظرت إليه بتعجُّب متسائلة: وما هو؟ قال لها: عليك بالصمْت، وأن تعلمي أنَّ الكلام أحيانًا يَحمل بين طيَّاته سُمًّا يعكِّر الأجْواء، ويقتُل المشاعر الصافية، والصَّمتُ ترياقه.
فالإنسان قد خلق له الله – سبحانه وتعالى – أذنين ولسانًا واحدًا؛ كي يسمع أكثرَ مِمَّا يتكلَّم، فأنْصِفي أذنَيْك من لسانِك.!
زوجتي الغالية، إنَّ حرصي عليْك من حبِّي لك، وما لا أرضاه لنفْسي لا أرضاه لك، فكم من كلمةٍ بغَّضت قائلها في قلوب الناس، فاحرصي على الكلِمة الطيِّبة فهي مفتاح القلوب، واعلمي أنَّ الكلام غير الضَّروري كالملح في الطعام، قليلُه يكفي.
نظرتْ إليْه بكلِّ حبٍّ وامتِنان، وتنهَّدتْ قائلة له: نعم، معك كل الحق، لقد أدركتُ مُشكلتي وعرفتُ بداية العلاج، فجزاك الله عنِّي خير الجزاء.