

شبهت الحمى بحرِّ جهنّم للدلالة على أذيتها في البدن وتخويفاً من الحميم وعذابه، والمريض وحده يدرك هذا الخطر المخيف فيستغفر من ذنوبه ويتوب إلى الله تعالى ويعمل عملاً صالحاً بعد ذلك.
و الحمى تعامل بضدها وهي البرودة، وقد أيدت الأبحاث الحديثة أن خير علاج من الحمِّيات هو الماء البارد، وأن إطلاق المداواة بالماء البارد في الحميات يقصد به حمى البلاد الحارة، وهي حمى عرضية، تظهر على أثر لفحة الرمضاء كما قال بذلك ابن القيم، تصيب أكثر البلاد الحارة كالحجاز ومصر وإفريقية، ومداواتها بالأشربة المرطبة، وإنهاض القلب بالمقويات، وترطيب البشرة بإراقة الماء البارد، ومخافة هذه الحمى – التي يذهب ضحايا لها الكثير من أهالي تلك البلاد – وجبت ((القيلولة)) وهي الراحة في المنازل وتعطيل الأعمال ساعة اشتداد الحر.
☆كيف نتعامل مع الحمى ؟
1 .. الحمى الرئوية، أو ((ذات الرئة)) لا يجوز أن تداوى بالماء البارد إذا أصيب بها الشيوخ مثلاً، بل الأحسن أن نترك هذا النوع من المداواة إلى الشباب، إذ المقصد منه العافية، ومثل هذه الطريقة خطر على الشيوخ لتصلب شرايينهم، ولاستعدادهم لأنـزفة الدماغ والفلوج، وللغشيان القلبي، إذ أن التنبه الجلدي الحاصل بالماء البارد يقلص العروق الدقاق ، لا تحتمل هذا التنبه، والأولى بنا أن ننبه طرق الإفراغ الأخرى، كالمسامات الجلدية، فتطرح البولة والذيفان المرضي، ولا يكون ذلك إلا بالماء الساخن.
2.. الأطفال لا يجوز لنا أن نستعمل لهم الماء البارد، مخافة تنبههم الشديد، وتعرضهم لذات القصبات والرئة، على أنه يجوز تعويد الشيوخ والأطفال على هذا الاستحمام بأن نبدأ من الماء الساخن فالفاتر فالبارد، فإذا تحملوه داوموا عليه.
3.. أكثر الحميات تشفى باتباع النظام الصحي مع مراعاة الحالات المرضية وتكيفها حسب الطبائع وعدم استعمال الأدوية المعقدة المضادة لدفاع البدن الإنساني، كخافضات الحرارة والمنومات والمقويات التي هي عبء ثقيل على الأنبوب الهضمي، وسم في القلب والكلى والدماغ.
4.. جاء في بداية القرن التاسع عشر العالم ، فاستعمل الماء البارد في الحمى القرمزية. والعالم برتوله أول من عالج الحمى التيفية بالماء البارد، وطبع على غراره معاصروه، ثم استعملت هذه الطريقة من قبل براند فاشتهرت باسمه، وهي لا تزال مستعملة في أقطار العالم أجمع، وفي يومنا الحاضر شيدت المشافي والمؤسسات الكبيرة لهذه المداواة، كفيشي وفالس .
5.. طريقة ((براند)) وهي الغطس في حمام مائي بدرجة 18 – 20 مقدار ربع ساعة، مع صب الماء على الرأس والفقرة .
6.. طريقة رييس وهي كالأولى تجري في كل ثلاث ساعات أثناء النهار وتخالف الطريقة الأولى فإنها لا تتبع هذا النظام في الليل، بل تكتفي بمرتين أولاهما في المساء (الساعة التاسعة) والثانية في الصباح (الساعة الرابعة).
☆ كيف داوى رسول الله الحمّى ؟
• قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الماء :(إذ حم أحدكم فليشن عليه من الماء البارد من السحر ثلاث ليال) أخرجه الطحاوي وأبو نعيم من حديث أنس رضي الله عنه، وفي حديث عبد الرحمن ابن المرقع مرفوعاً (الحمى رائد الموت، وهي سجن الله في الأرض فبردوا لها الماء في الشنان وصبوه عليكم فيما بين الأذانين، المغرب والعشاء). وهنا موافقة لما قرره ((رييس)) من الاستحمام في الصباح الساعة الرابعة وفي المساء الساعة التاسعة، إذ المقصود من صب الماء في المساء تهدئة الأعصاب وإراحة البدن من عناء الحمى، ومنه النوم، وفي الصباح تخلصاً من عناء الحمى المقبلة وإيقاظ الجسم للقيام بمهمة الدفاع من إفراغ الخلايا وتنشيطها وما أشبه ذلك.
• القدر المطلوب من الماء، فقد ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشنان، وهو جمع تكثير، وعنه صلى الله عليه وسلم حينما مرض أنه قال: (صبوا علي من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن) والمراد من سبع قرب، الكثرة، وذلك مرعي في لغة القرآن، والسبعة كما هو معلوم دليل الكثرة، قال تعالى: ((إن تستغفر لهم سبعين مرة)) والمراد بها المغفرة، ولو زاد العدد على السبعين. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يراعي حالة المرض، فمن حديث أنس مرفوعاً (إذا حم أحدكم فليرش عليه الماء البارد ثلاث ليال من السحر) وذكر أن السيدة أسماء بنت أبي بكر كانت ترش على بدن المحموم شيئاً من الماء بين ثدييه.