حقيقةً ، تأملتُ في المراهقين الناجحين فوجدتُ صفاتٍ مشتركةً كانتْ أكبر مُعين للوصول إلى هذه المرتبة، سواء كان نجاحهم إداريًّا، أو ماليًّا، أو علميًّا، أو تربويًّا.

لهذا تفكرتُ في الصفات المشتركة التي ألمحها في الناجحين في تربية أبنائهم، فما رأيتُ أظهرَ مِن هذه الصفة التي تعتبر الأب الروحي لكل نجاحٍ تربويٍّ يُحققه المرءُ مع أبنائه، وعلى العكس إن فُقِدتْ صارت بوابة كبرى لكل آفة ، فمَن فقدها يشكو أنه لا ينتفع بحضور الدورات ولا قراءة الكتب التربوية، وتجده أكثر الناس صراخًا ونقدًا وشكوى ومقارنة، فلا هو مستريح مع نفسه، ولا مُريح لمن يُربي ، إنها الاتزان الانفعالي.

☆ أيتها الأم ، أيها الأب :

•أكبر تحدٍّ في التربية أنك تتعامل مع ابنك ، وهو ناقص الخبرات، وغير تام المعارف، وقد يَعيش في بيئة ناقصة مِن حيث القدوات والمحفِّزات ، لهذا كان وقوعُه في الخطأ أقرب وأسهل مِن فِعْله للصواب.

☆فماهي جذور الاتّزان الإنفعالي ؟

1. لا تتوقع الكمال من ابنك :

•شتان بين أم تنتظر مِن ابنها فعلًا تامّاً وأخرى تُدرِك أن ابنها مِن حقه أن يُخطِئ، بل تعتبر هذه فرصةً للتعلم والتغيير، تأمَّل حينما تشكو الأمُّ مِن أن ابنها مُقصِّر مع واجباته، وأنها تخاف عليه مِن الضياع، وأن العالَم لا يقبَل إلا المتميِّزين، ثم اسألِ الأم: كم عمر ابنك ؟ فتقول : خمسة عشر .!

• تأمل قدرَ الانفعال والتوتر الذي تُعاني منه الأم كأن الولد على أعتاب الجامعة، أو أن الأم تنتظر منه أداءً يفوقُ عمره .

•ينتظر الأهل مِن ابنهم، ما قد يكونوا هم قد عجَزوا عن بلوغه، ويقدموا الأعذار لنفسهم ، إلى أن الأجواء لم تكن بمثل ما يعيش فيه أبناؤهم.! وهذا خداعٌ للنفس، فالأصل أن أحلام المرء تنعقد على نفسه وأهدافه أن يقوم بها هو؛ فمسؤوليَّته عن نفسه أتم وأكبر عقلًا وشرعًا، لهذا قيل: عامله رجلًا وحاسِبْه طفلًا.

2. افهَم دورَك ووظيفتك:

•حينما يتأمَّل المرء موقفَ يعقوب عليه السلام في جوابه وحواره مع أبنائه، مع عِظَم ما قاموا به، وتستحضر في المقابل مشهد الأم أو الأب الذي اكتشف أنَّ ابنه أخذ شيئًا دون إذن، ثم بدأ الأب ينهال على نفسه بالتوبيخ والتنقص: أنا أضعتُ أبنائي! ويشعر بالذنب مع عدم تقصيره!

•عقليةُ أنا المهتم في كل أخطاء أبنائي أكبرُ دليلٍ على غياب فهم الدَّور المطلوب من الآباء، لهذا انتَبِهْ، إنما عليك التوجيه والإرشاد، والتعليم والتهيئة، والإشباع للاحتياجات، والنتائجُ لا تمتلكها أنت،و فهمُك لدورِك يجعلُك أهدأ تُجاه أخطائهم.

•إن مفهوم المسؤولية في علم النفس يعني: أن كلَّ واحد فينا مسؤول عن أفعاله  وأفكاره ومشاعره فقط، ولست مسؤولًا عن أفعال أو أفكار أو مشاعر غيري، ازرع ذلك في أبنائك .

• إن رأى منك ولدك فكرةَ أنك مسؤول عن فشله، زاده ذلك تأخراً لهذا، بل قُلْ: هذه مسؤوليتك، وأنا أساعدك في الخروج من هذا التحدي والمشكلة، ولا تتحمل همَّ أنظارِ الناس أو تنافس بأبنائك أحدًا من الخلق، فهم أعز وأغلى من ذلك.

3. تعلم مهارات التربية:

•شتان بين أم تطلب من أبنائها بأسلوب الأوامر التكليفية المباشرة: قُمْ ذاكر، قم نم؛ قم اشترِ كذا! ولا تعرف مثلًا عن مهارت التوجيه شيئًا، وبين أم أخرى تعلمها وتطبِّقها، وتعلم أن هناك طلبًا بالسؤال، فتقول لأبنائها: متى ستقوم للمذاكرة؟

وتعلم أن هناك طلبًا بالمشاركة، فتقول: تعالَ نذاكر.

وتعلم أن هناك طلبًا غيرَ مباشر من خلال قصة شائقة تتخللها بسمة.

إياك أن تظن أن استجابة الوالدين واحدة!

•شتان بين أم تعلم مهارة العقاب، وأنها لا تساوي الضرب، فإذا فوجئت مثلًا أن ابنها كسر كوبًا، وسكب ما فيه، فطلبت من ابنها تصحيحَ ذلك بيده، تَعلَّم أن مَن أفسد شيئًا عليه إصلاحه، ولم تُهِنْه أو تُوبِّخه.
وأخرى صرخت وشتمت وأهانت، ولم تعلم عن مهارات تصحيح الخطأ شيئاً .

4. افهمْ نفسك :

•حُسن تعاملنا مع أبنائنا فرعٌ عن تعاملنا مع أنفسنا، ولا يُتصوَّر فهمٌ منا للناس وقَبول لهم دون أن نفهمَ ذواتنا ونتقبَّلها، لهذا شاهدنا أغلب مَن لا يتقبل أبناءه، تجده عن النقاش غير راضٍ عن نفسه، وغير مدرك لها، وهذه لها عظيم الصلة بالاتزان والهدوء.

•إن فهمي لأخطائي وقبولي لها وصبري عليها، ولَّد عندي صبرًا على أبنائي وقبولًا لأخطائهم، فكيف أقبل مِن نفسي عذرًا وخطأً ولا أقبله مِن أولادي؟!

5. فكِّر بإيجابية :

• ليس المطلوب منك ألا ترى الخطأ، لكن المطلوب منك أن تَلمَحَ ما فيه من إشراق وأمل، ابني يضرب أخاه، فأين الإيجابي في هذا؟
أقول لك: لعل الإيجابي هنا، ابني عنده المهارة الرياضية التي من الممكن أن تُستَغل  ويصير بطلًا كبيرًا، وابني بصحة جيدة وخالٍ من الأمراض؛ هكذا خلف أغلب الشكاوى جوانبُ مضيئة، إذا رأَتْها العين أعانها ذلك على الاتزان والهدوء، فابحَثْ في مشاكل أبنائك عن الجوانب المضيئة.

•أيتها الأم، أنت أشد الناس حبًّا لأولادك، لكن الحب وحده قد لا يكفي، وقد يصيبنا أذى ممن نحب أعظم وأشد ممن نكره، بلا قصد منهم، لهذا اصبري واهدئي ، فالتربية أجرُها عظيم، والتوفيق من الله تعالى، فليتعلَّقِ القلب به، ويكثر اللسان مِن دعائه، فاللهم ربِّ لنا أولادنا.

التعليقات