لقد هيَّأتِ الحضارة الحديثة للإنسانِ شتَّى وسائلِ الكمالِ والبَذَخ في أرقى صورها، وقدَّمت له سائر حاجاته وطلباته ، ولكن هيهات تلكَ الحضارة ممّا قدمت ، فعليها الضّريية الكبيرة وهي انغماس الأمم في الملذات المهلكة .
ومن أهم آفات الحضارة المادية، المخدرات ، لكن انتشرت ظاهرة مأساوية تفطر القلب بين شوارعنا وهي شرب ( الشيشة ) بين الشباب المراهق .!
هذه الظاهرة لا تقل خطورتها عن إدمان المخدرات .
وحين تسأل الأهل عن سبب إهمالهم لإبنهم يقولون :
– هو لا يدخن .!!
ماذا يفعل إذاً ؟!
إن شيشة وراء شيشة تصل بالمراهق إلى التدخين أو ربما المخدرات .
فمن حول الشاب من أصدقاء يشربون معه الشيشة ، لن يكونو أفضل حالٍ منه ، ولن يسحبوه سوى إلى ماهو أسوء .

☆ماهي أسباب شرب المراهق الشيشة ؟

• الشباب شُعْبَة من الجنون ، كما يقال، ويَعُود بنا الحديث إلى مرحلة الطفولة، والتربية السليمة التي كان لها الدور الأساسي في ذلك، حيث يَجِب أن يَحْصُل الطفل على الشحنة الكافية من مبادئ العقيدة، والخلق القويم؛ لتقوية شخصيته الغضَّة أمام واجبات الحياة اليومية، وهجمات المتع، واللَّذائذ، والمغريات الآسِرة.

• حينما يبدأ وَعْيُ الطفل بالتفتُّح، يفاجأ بهذا الزَّخَم الذي يَنتَظِره، فكم من المعلومات يَحْفَظ، وكم من الأعمال يُنْجِز، وكم من الواجبات يتكفَّل بها؟ وأمام المحاذير الكثيرة، والأوامر الصارمة من قِبَل الأهل، والخوف عليهم من الاختلاط بالآخرين، أو الانجراف إلى الرذيلة، وأخطاء الأهل، يَشْرَع الطفل بالانكماش والوُلُوج إلى العزلة، والرضا بالمجهول، ولكن طاقته الدَّفِينة لا تَسمَح له بأكثر من حدودٍ معيَّنة، فبين جَنْبَيه نفسٌ طموحٌ، وقلبٌ دافقٌ، يَهْفُو به إلى مُعْتَرك الحياة ، ليَسْبَح في خِضَمِّها ، فيظنّ ان في دخان الشيشة تمرّده .!

• سرْعَان ما يَحْتَكُّ بالآخرين أصدقاء السوء، وهم على الغالب من أندادِه، والمَرْء يَأْلَف أمثالَه، وسَرْعَان ما تبدأ المرحلة بالتجرِبة الذاتيَّة؛ حبًّا للاكتشاف والتعرُّف، وتكون المحاولة مثيرةً، والنشوة الأولى لذيذةً مدهشةً .

• تبدُّل أحوالِ المجتمع، حيث أصبح مجتمعًا استهلاكيًّا بعد أن كان حاملاً للقِيَم والمبادئ الإنسانية ، فترى المقهى يقدم الشيشة للمراهقين بعمر الطفولة دون أن ينتابه تأنيب الضمير .!

•التفكُّك الأُسْرِي، وانهيار الترابط بسبب الانحلال الأخلاقي أو الحرية المزيَّفة ، و  أساليب التربية الخاطئة، وضياع الهُوِيَّة، والانتماء الحقيقي في الأمة.

• عمالة الأطفال – وخاصة في العالم الثالث – بسبب الفقر، مما يدعو إلى اتصال الطفل واحتكاكه بالشُّذَّاذ والسيِّئين خلقيًّا.

• عجزُ الجيلِ الجديد وضعفُه، عن تحمُّل المسؤولية، والاعتماد على نفسه، والتهرب من الواقع ،و الهروب من المشكلات، والتخلُّص من الألم، والتكليف، والضغط الاجتماعي.

• حبُّ تقليد الآخرين، وخاصة أصدقاءَ السوء؛ لإثبات شخصيته أو رجولته ، نتيجة التسرُّب من الدراسة، والانفلات في فراغ قاتل، ومع وجود طاقة كامنة في الطفل، يبدأ بالبحث عن مَفْرَغ لطاقتِه، فيكون انقياده لأصدقاء السوء سهلاً، وممارسته الرذيلة يسيرًا.

• إهمال الوالدين، وعدم وضع حدٍّ واضحٍ بين حق الطفل في الاستمتاع بالحياة، وبين ما يضره ويسيء إلى شخصيته، متمثِّلاً في ضعف التوجيه، وانعدام المراقبة، والجهل بعالمهم وما يحتاجونه .

• ترك الأهل أولادهم يفعلون ما يشاؤون،بدعوى الحرية والتحضر دون توجيههم وتربيتهم على ممارسة هواياتهم الفاضلة والمفيدة، أو ردعهم عن بعض الممارسات وبيان الأضرار الكامنة فيها.

•الهجمة العَشْوَائية لوسائل الإعلام على الجيل الجديد، والقضاء على براءته وفطرته السليمة؛ إذ قد يلجأ الوالِدان المُتْعَبان مبكرًا إلى مَخْدَعِهما، ويَبْقَى الأولاد أمام الشاشات الفضائية الطاغية، التي لا ترقب في أحدٍ إلاًّ ولا ذِمَّة، فتَعْرِض جميع أنواع الرَّذِيلة، من قتلٍ، وعنفٍ، وسلبٍ، وتخريب، بطريقةٍ مُغْرِية، وصورة جميلة مُمْتِعة؛ مما يَخْلُق لَدَى الطفل شوقًا ورغبةً عارمةً في مجرَّد التجريب، والتعرف على مشاكل وأخطار، ربما غير موجودة في مجتمعه أصلاً .

☆ هل تعلم أن الوقاية خيرٌ من العلاج ؟!

1- الحفاظ على تماسُك الأسرة وارتباطها، والعمل على تقوية البناء الاجتماعي، وتوثيق الصلات، ودعم الثقة المتبادلة.
2- توفير فُرص عمل جيدة ، وملأ وقت فراغ المراهق بماهو مفيد ، لأولئك الذين فَشِلوا في دراستهم، وأصبحوا عالةً على المجتمع، فيَجِب انتشالُهم مما هم فيه، وإشغالهم بالمفيد، ودَمْجهم في أعمال مِهَنيَّة نافعة  على مقولة: “إن لَمْ تَشْغَله شَغَلك”.

3- دَعْم المؤسَّسات التربوية ، كالحضانات، ورياض ونوادي الأطفال، والمدارس ، والتدقيق على المربِّين فيها، ونبذ العناصر الشاذة، وللأسف فإن كثيرًا من المؤسَّسات التربوية في البلاد العربية يَشْغَلها ناسٌ غيرُ مؤهَّلين ثقافيًّا وأخلاقيًّا، وهذا يؤدِّي إلى نتائجَ وَخِيمةٍ جدًّا؛ لأن الطفل يَبْحَث دائمًا عن القدوة، كما أنه يَشْرَع في تقليدِ الكبار، وذلك في بداية تعرُّفه على السلوك، فلابد أن يتميَّز المربِّي بالحدِّ  المقبول من القِيَم، والسلوك، والتعامل، حاملاً للتفكير السليم الواعي.

4- إرشاد الآباء والمربِّين، وتبصيرهم بالأعراض الباكرة من أجل التصدِّي لمثل هذه المجالات قبل أن تتفاقَم وتتحوَّل إلى حالات إدمان .

5-تنمية الشعور الديني، والاجتماعي، لدى المراهق ، وَفْقَ سُلُوك اجتماعي سليم، وتحصينهم بالمبادئ الأخلاقية، والدينية، والتربوية.

التعليقات