

#قصة_أب
أقبَل أولادي وبعضُ أقاربي على موقع التواصلِ الاجتماعي (الفيس بوك)، وكثُر الحديث في الجلسات الأسريَّة عنه وعن تواصلِهم مع أقاربهم، ووصولهم إلى أصدقاء طفولتهم.
دفَعَني الفضولُ إلى إنشاء حساب ، لمعرفة ماهيَّته، كنت كالطفل الذي لا يعرفُ كيف يُسجِّلُ نفسه في المدرسة، فأمسَك بيدي أصغرُ أبنائي، وأنشأ لي حسابًا، واخترتُ لنفسي اسمًا مستعارًا وهو (أم أحمد ) .
أفرادُ أسرتي، وشقيقتي وبناتُها أولُ الأصدقاء بطلبٍ من ابني، ثم بجلسةٍ بسيطة تعلَّمْتُ من ابني بعضَ أبجديَّات الفيس بوك ، ليصبح بعد ذلك الإضافةَ الجديدة على برنامجي اليومي.
عملية البحث عن أصدقاءِ تُشبِه عملية البحث عن كنوزٍ ودفائنَ لا بدَّ لها من أدوات مع التحلِّي بالصبر للوصول إلى الهدف، فبمجردِ انتهائي من طباعة اسم ما، ظهرَتْ لي خياراتٌ جعلَتْني أحتارُ في الاختيار فالأسماءُ التي طالعتني منها الصريحُ وهو المريح، ومنها: المستعارُ والألقابُ، أما صور الغلاف فتنوَّعت كذلك حسب الرَّغَبات والأهواء، والبعضُ أغلَقَ البابَ على نفسه، فلم يظهر لي أكثرُ من اسمه؛ يقولون: (المكتوب يُقرَأُ من عنوانه)؛ فمكان الإقامة، أو الوظيفة، والكتابات الشخصيَّة، والمشاركات، والصور التي ينشرُها لنفسه – كانت وسائلَ مساعدة للترغيب في الاقترابِ وطلب الصداقة، ومن ثَمَّ انتظار الموافقة بالانضمام إلى قائمة الأصدقاء؛ صداقةً تُمكِّنك من الكتابة له، أو رؤية منشوراته.
أكرَمَني الله عز وجل بصديقةٍ تعملُ مربِّية، ومن بيت علمٍ ودين، قَبِلتْ صداقتي سريعًا؛ ظنًّا منها أنني صديقتُها؛ لتشابهِ الأسماء، فكانت صداقتُها غنيمةً وكنزًا ثمينًا، وصلْتُ من خلال نافذتِها إلى نوافذِ الكثيرين من مختلف الأعمار، وفي كافة التخصصات؛ (دين، وعلوم، وأدب، وصحة، وغير ذلك)، كنتُ أقطف من بساتين معرفتهم الكثيرَ، وكانت دافعًا لي للبحثِ والاستزادة.
لم يكن في نيتي الاستمرارُ، لكنَّ بريقَه يخطف الأبصارَ، فخشيتُ على نفسي أن أصاب بالإدمان.
وخصوصاً لأني سميت نفسي ( أم أحمد ) كان جهلاً مني بالأسماء وهكذا سأبدوا كمراهقٍ انتحل شخصية أنثى ليكلّم الفتيات.!
غيّرت اسمي إلى ( أبو أحمد ) واعترفت لصديقتي أني كنت جاهلاً في الفيس بوك .
تعرفت إلى العديد من الأصدقاء ، وبدأت أتلقَّى منشوراتهم التي تشبه في مضمونها التخصصات الجامعيَّة، بل وزيادة ، فمِن مهتمٍّ بالدين، أو التاريخ، والأدب، أو العلوم، والطبِّ، والسياسة، والاختراعات – إلى الأشغال اليدويَّة الإبداعيَّة، وفنون الطبخ، وطرق التدبير والتوفير، ودعوات للأفراح، وإعلانٍ عن محاضرة… وغير ذلك الكثير، أعجزُ عن سَرْده، أشبه ما يكون بمجلة شهريَّة متنوعة الأبواب.
بعض المنشورات تُشبِهُ هدايا قيِّمة للمتألِّمين والغافلين.
وبعضها هو ضلال في ضلال .
ثم تسائلت ، كيف أعرفُ صديقي على أرض الواقع؟ وماذا أريد من صديق الفيس بوك؟
ما أتمنَّاه من صديقي الافتراضي أن يكون كحامل المسك؛ ينفعُني بعلمه فقط .
وفي النهاية اكتشفت ، أن الفيس بوك ماهو إلا ، لِصُّ أوقاتٍ محبوبًا – والأوقاتُ ثمينة، إن ذهبت فلن تعودَ، وعلينا أن نُحسِنَ استغلالَها، فنعطي كلَّ شيء في حياتنا ما يستحقُّه من الوقت – سرَق مني أوقاتًا كثيرةً كان يعقبُها استغفارٌ وندم، وعَزْمٌ على عدم الإكثار من متابعتِه، وسرعانَ ما أُعاوِدُ الكرَّة؛ لمعرفة من يكون هذا أو ذاك، إلى أن قرَّرْتُ الإقلاعَ عن البحث عن أصدقاء، وتقليب الصفحات إلا للضرورة، ونجحت بفضل الله عز وجل وعونه.